مساكين نحن في العالم اليوم. فإن من يستعرض حال العالم اليوم يجد مصائب الدنيا “حرفيا” عندنا نحن في هذه الأمة. فمن عراقها الى سوريتها الى سودانها الى مصرها الى غيرها كلها كلها في ألم ومعاناة وخراب. ومع أني أقر بأن بعض مشاكلنا من صنع أيدينا إلا أن السياسة العالمية المعادية لوجودنا كأمّة هو السبب الرئيس في معاناتنا. فمنذ أن إنفرط عقد أمتنا أوائل القرن الماضي تداعت علينا الأمم – صدقت يا حبيبي يا رسول الله - كما تداعى الأمم الى قصعتها… تمزيقاً ونهباً وسلباً.

كنوز مبعثرة في متاحف العالم. إصطرلاب من النحاس المحفور والمطعم بالفضة. أداة تستخدم في حل المسائل الفلكية والملاحة والمساحة ولحساب الوقت من حيث الليل والنهار والتاريخ. والإصطرلاب من عمل محمد بن جعفر بن عمر الإسطرلابي والمسمى جلال.
وها هي كنوزنا تملأ متاحف العالم اليوم. كنوز تشهد على روعة أيام خلت وحضارة عظيمة وثراء فكري أحوج ما نحتاج إليه اليوم. ونحن نحتاج الى تلك الرموز لا لتذكرنا بماضٍ متألق ما يزيد من ثقتنا بأنفسنا ولكننا نحتاجها أيضاً لنبني عليها مجداً جديداً ولنستئنف مسيرة العطاء والبناء الحضاري كما فعلنا أول مرّة.
وأريد أن أضرب مثالاً بسيطاً لأهمية التواصل مع أرثنا. خذ كتاب “بدائع الخط العربي” لمؤلفه القدير المهندس ناجي زين الدين المصّرّف. فعلى رفعة قدر العمل ومؤلفه لم يشر المؤلف صراحة في الكتاب الى نموذج من الخط المحقق بل يسمي إحدى نماذج هذا الخط الذي ضمّنها في الكتاب بخط الثلث (صفحة 115-160). ولعله ليس المتخصص الوحيد في الخط العربي الذي لا يميّز خصائص خط المحقق وذلك لانقطاع استعمال هذا الخط وشيوع الثلث في محله وضياع آثار الخط المحقق حيث انتهت في متاحف الدول المستعمرة.
متحف ديفيد في كوبنهاكن
وفي معرض تجوالي عبر صفحات الإنترنيت عثرت على إحدى أقبية تخزين كنوز الأثار الإسلامية وذلك في متحف ديفيد في كوبنهاكن. ولجمال مقتنيات هذا المتحف من الكنوز الإسلامية رأيت أن أنشرها على هذه المدونة لعل البعض يهتم بالإستفادة من إرثنا الموزع هنا وهناك في الشتات، كما يقولون. وقد حاولت أن أسلسل الأعمال التي اخترتها بحسب علاقة زمنية او خطاطية بين المجموعة، ولكنني أبدأ العرض بعملين يتضمنان الخط المحقق لربط الموضوع بما ذكرناه عن هذا الخط الجميل.

صفحة من آيات قرآنية مختارة. وهي مكتوبة بالخط المحقق الذي يخطأ في تمييزه البعض. ويمثل الخط المحقق إحد الأقلام الستة التي وضع قواعدها الخطاط ابن مقلة والتي أصبحت فيما بعد أهلاً لاستبدال الخط الكوفي في كتابة القرآن الكريم.

يندر أن تجد أربعة من أنواع الخطوط على صفحة المصحف وكما في هذا المثال حيث نرى أن الأشكال المذهبة من الصفحة تزينها كتابات بالخط الكوفي في حين أن السطور السوداء في أعلى وأسفل الصفحتين قد كتبت بالخط المحقق بحواشي مذهبة. أما السطر المذهب في وسط الصفحة فقد كتب بخط الثلث والنص الصغير كتب بخط النسخ. ويغلب الظن أن هذا المصحف قد كتب في اليمن في القرن التاسع الهجري.

خطوة الى الوراء الى القرن الأول الهجري. هذه صفحة من القرآن الكريم بالخط الحجازي وهي من أقدم مخطوطات المصاحف.

مصحف جميل بخط كوفي قديم مذهب على جلد ملون باللون الأزرق. ويرجح أن المصحف كتب في عهد الدولة الأغلبية في تونس في نهاية القرن الثاني من الهجرة.

مصحف بخط كوفي مذهب. وهذا الخط نوع من أنواع الكوفي القديم الذي استخدم في العهد العباسي. وحواشي الحروف منفذة بخط بني كما تم تأشير الحركات بنقاط ملونة.

صفحة من المصحف بخط كوفي شرقي. ويتميز هذا الكوفي بطول الحروف القائمة. وقد شاع هذا النوع من الخط الكوفي في القرن الثالث الهجري. ومجموع هذا المصحف مكون من 4500 صفحة وهو مقسم في ثلاثين جزءاً. ويلاحظ أن خلفية المصحف مزينة بزخرفة دقيقة كما تم تأشير الحركات بأشكالها المميزة وبألوان مختلفة لتسهيل القراءة.

مصحف عهدت به ممرضة الأمير المعز بن باديس الى علي بن أحمد الوراق الذي قام بخط وتجليد المصحف. وقد أهدت الممرضة - واسمها فاطمة - هذا المصحف الى الجامع الكبير في القيروان حال انتهاء العمل به. والخط الكوفي يتميز بالتباين العالي في سمك الخطوط بنمط شاع في تلك المنطقة.

رسالة شرح نور الإيضاح ونجاة الأرواح من عمل أبو الإخلاص حسن بن عمّار الحنفي. وقد كتبت بخط نسخ واضح على ورق صقيل. وقد استخدم الحبر الأسود عموماً مع استخدام الحبر الأحمر لتأشير الكلمات المهمة.

نجد نسخة كتاب الملوك للفردوسي على طرف النقيض للرسالة أعلاه من حيث الشكل والمضمون. فهذا الكتاب الذي صنع للشاه إسماعيل الأول تحمص قد صور تخاريف بصناعة فنية متميزة.

فرمان عثماني بالخط الديواني ومزين بطغراء السلطان سليم الثاني. وتعد طغراء هذا السلطان ووالده السلطان سليمان من أجمل طغراوات السلاطين العثمانيين.

قفل أرقام من عمل صانع الإصطرلاب محمد بن حامل الإصطرلابي الأصفهاني في 597 هجرية. والقفل يتضمن أربعة أقراص لكل منها 16 موضع بما يتيح 4294967296 إحتمال. وحينما يتم ترتيب الأقراص بالوضع الصحيح يطلق القفل الترباس الموصول بمقبض القفل وآلية القفل. لاحظ الكتابات العربية التي تزين الصندوق. ولن تجد جهازاً آلياً اليوم يحمل الكتابات العربية.

كتابات كوفية على إصطرلاب من عمل محمد بن أحمد المزّي عام 730 هجرية لسليمان بن محمد بن سليمان في دمشق. وأرباع الإصطرلاب هذه تستخدم لقياس ارتفاع النجوم على خط عرض معين وهنا يكون خط العرض لمدينة دمشق عند 33.30 درجة.
